الأردن يغرق

ما يجري في العالم و في العالم العربي تحديداً يجعل كل من يعيش في بلد تنعم بالأمن و الأمان أن يشعر بأن مشاكل بلده “بسيطة” بحيث أنها  لا تتضمن قطع رؤوس أو لجوء على الأقدام أو جوع قاتل أو عدم وجود جيش يثق به أو انعدام التعليم و الصحة ….إلخ. لكن لا أعتقد أن علينا السكوت عن ما يحدث في الأردن بحجة أننا أفضل حالاً من الدول التي تجاورنا.علينا إيجاد حلول و تطبيق القانون بجدية لكي لا نصل إلى ما وصل اليه العالم العربي من فوضى و دم

قبل عدة ايام، امطرت سماء الأردن مطراً شديداً و أدى ذلك الى غرق بيوت و متاجر، و للأسف غرق ايضاً اشخاص، منهم أطفال و ادى ذلك الى وفاتهم. لا اريد ان ادخل في تفاصيل البنية التحتية لعمان التي يقول الناس انها سبب عدم تحمل المدينة لذلك الكم الهائل من المطر، و لا أريد أن احلل و اتساءل على من تقع مسؤولية هذا الأمر و كيف يجب محاسبتهم. ما اريد ان اقوله هو أن عمان او الأردن بشكل عام يعاني من الغرق منذ سنوات و ليس بسبب الامطار. بلدنا تغرق من افعالنا، من اخلاقنا، من كلامنا و من حوادثنا..

ما حصل أمس في مركز تدريب الجيش في الموقر جعلني اعيد التفكير في مجتمعنا. لقد قتل احد عناصر جيش زملائه..لم يقتلهم ارهابي او اجنبي بل ابن بلدهم..كل يوم نسمع عن اب يقتل ابنته بداعي الشرف..او نسمع عن شقيق خطف شقيقته و قتلها ببرودة ايضاً تحت اسم الشرف..نسمع عن مخدرات و عن سرقة و عن و عن و عن..نحزن لدقائق ندعي الله ان يحمي الاردن و نكمل يومنا كاننا لم نسمع شيئاً. اصبحنا مجتمعاً يسمع عن الموت كثيراً لدرجة اننا نستطيع مشاهدة نشرة الاخبار المسائية و هي مليئة بالدم و التعذيب و لا نرمش مرة. لقد انتصر العدو على ضمائرنا فلم يبق اي خبر يفاجئنا و اصبحنا نصلي من أجل موت ارحم و اقل ألم من موت آخر و ليس من أجل حياة..اصبح بعض منا يقدم طلبات لجوازات و تأشيرات و يفكر في خطط لمستقبل افضل بعيداً عن ارضه و بيته..

الماء اصبحت تحاصرنا..فانها تأتي بعدة اشكال. احدى اشكالها هي التحرش بالاناث و تردي مستوى الجامعات في معالجة هذه الظاهرة..ايضاً تحاصرنا مياه على شكل عدم احترام القانون..فمثلاً السلطة التشريعية لا تحترم ابسط قانون و هو عدم التدخين..فاذا قانون مكتوب بشكل واضح لا يحترم و لا يطبق من قبل من كتبه، ماذا نتأمل من المواطن؟

تحاصرنا عمالة الاطفال من كل الجهات..وضع التعليم لا يبشر بالخير و كيف نوعي المسؤول عن التعليم ان هذا الجيل هو جيل المستقبل؟! اكثر من ٦٠٠٠ طالب يترك المدرسة في عمر صغير جداً لعدة اسباب و منها قساوة المعلم/ة. التعليم هو اساس اي مجتمع، اذا لم نعطه 100%  من تركيزنا و طاقاتنا، فنحن نرمي مستقبلنا في الهاوية

لا نزال نغرق بجرائم الشرف و النصوص القانونية التي تدعم المجرم..في ايام اجدادنا، كانت الثقة هي اساس المجتمع، اما في يومنا هذا، فكل واحد منا لا يثق بجاره و لا يؤمن بيته على احد. .

لا اعلم ماذا جرى للعاصمة و للبلد..و لا اجد مبرراً مقنعاً لصمت الاغلبية..فهل ننتظر لتصبح بلدنا تغرق بالدم لكي نتحرك و نصوب الأمور؟ البنية التحتية لمناهجنا، مدارسنا، مستشفياتنا، حكوماتنا، تربيتنا و اخلاقنا تحتاج لإصلاح. و ليس إصلاح كترتيب و تستير، بل اصلاح يقتلع الجذور التي تسمم الشجرة. 

انا اشعر اننا اليوم نغرق..و لكن ما زلنا نستطيع السيطرة على الوضع، انها فقط ماء و فتح مجال لافراغها ليس بالامر الصعب، فإذا اهتم كل احد منا بالوضع و نظم نفسه و بيته و مجتمعه الصغير،سنتمكن جميعنا من الخروج من الماء و استنشاق الهواء النظيف..على الحكومة استيعاب ما يحصل..لماذا لا تتنقل الحكومة من محافظة الى محافظة؟ لماذا فقط التركيز على العاصمة؟ على سبيل المثال، قبل سنة، اعلنت الحكومة ان محافظة المفرق اصبحت ‘منكوبة’!! لماذا لا تستقر الحكومة لمدة سنة في المفرق لكي تطورها و تعمل على انقاذها من الغرق؟ و ينطبق هذا الكلام على جميع المحافظات التي تعاني من تردي اوضاع المعيشة.. 

.. دعونا لا ننتظر اليوم الذي نغرق فيه بالدم، فمن تجارب غيرنا تعلمنا ان لا احد يخرج من ذاك الغرق على قيد الحياة..

الله يحمي الاردن قيادة و شعباً و جيشاً 

Leave a comment